تكوين ريادة الأعمال

مقالات تكوين ريادة الأعمال

من أين نبدأ ؟

ريادة الأعمال اليوم أصبحت ثقافة للأعمال في العالم المتقدم، لما لها من تأثير قوي على المؤشرات الاقتصادية للدول في العالم. فقد أكدت الدراسات أهمية تكوين ريادة الأعمال، وأبرزت العديد منها أن هذا النوع من التكوين يؤدي إلى امتلاك الرغبة والقدرات الحقيقية اللازمة لإنشاء المشاريع الناجحة، فضلا عن أن ريادة الأعمال لعبت على الدوام ً دورا حاسما في الاقتصاد العالمي.

ونظر لأهمية الريادة في النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، فليس مستغربا أن تتبنى أهداف التنمية المستدامة، التي اعتمدتها الأمم المتحدة مؤخرا، تعزيز ريادة أعمال كأحد أهدافها تحت بندي التكوين (4-4 ) والنمو الاقتصادي( (8-3 . ولذا، أصبح من المفيد أن نتساءل عن أحسن الطرق والمناهج توفير تكوين هادف لريادة الأعمال واكتساب مهارات القيادة ؟

تكوين ريادة أعمال يتكون من مجموعة متداخلة من ألأنشطة تشمل المناهج الدراسية والأنشطة المصاحبة لهذه المناهج والجهود البحثية، بالإضافة إلى مجموعة من القرارات المتعلقة بعملية التكوين من قبيل أهداف التكوين، وموضوعاته، واختيار المواد، ومنهجية التدريس ونوع المتعلم وطرائق التكوين،الخ....

وفي غضون اقل من ثلاثة عقود تطورت أبحاث فعالية تكوين الريادة وتوسعت لتتعدى مجرد قياس إنشاء منشآت أعمال جديدة لتشمل تقييم مقدار التحسن الايجابي في الصورة النمطية عن ريادة أعمال ومقاصد إتباع السلوك القيادي. وتشير نتائج أبحاث إلى أن هناك بالفعل علاقة إيجابية بين تكوين الريادة والسلوك القيادي.

من هنا أصبح تكوين ريادة الأعمال التجربة المناسبة لتلقي النواحي النظرية واكتساب المهارات التطبيقية التي تساعد رواد الأعمال على ممارسة الأعمال على أسس صحيحة. وقد شهد التكوين على ريادة الأعمال نموًا ملحوظًا في العالم المتقدم، وخاصة في تلك الدول التي اعتمدت منهج التخصص في التكوين على ريادة الأعمال (الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، كوريا الجنوبية، الخ.)، ما أسهم في ترسيخ روح المبادرة لدى جيل جديد من رواد الأعمال، مسلحين بمهارات ومكتسبين لمعارف لازمة لإطلاق وتطوير الأعمال التجارية الجديدة.

في منطقتنا العربية، علينا أن نعترف انه بالرغم من الجهود المبذولة في بعض دولنا في مجال التكوين ،لكن ما زلنا بعيدين كل البعد عن إدراك أهمية التكوين على ريادة الأعمال. المسالة لا تقتصر فقد على صياغة وتدريس مواد ريادة الأعمال، بل تمتد لتشمل الفكر والمنهج والأسلوب، وهي في اعتقادي المطلب الملح في عالم يتميز بالتحول المتسارع وغير المتوقع . إنَّ المفتاح الحقيقي لعالم ريادة الأعمال، هو صياغة فلسفة هذا التكوين الذي ينبغي أن تتضمن مناهجه أبوابًا عن فكر ريادة الأعمال ،وإعداد الشباب للمستقبل، وخلق جيل من شباب رواد الأعمال يؤمن بفكر الريادة والمبادرة والعمل الخاص، وليس البحث عن وظيفة حكومية تقتل مواهبه وتحوله إلى مجرد آلة تنفذ المطلوب منها.

لا شك في أنَّ التطوير الفعلي لقطاع ريادة الأعمال في بلادنا والوطن العربي، يحتاج إلى إعادة التفكير في طبيعة المنظومة ككل، وهذا يتطلب أولا وقبل كل شيء، أن ندرك أن البناء السليم للمجتمع يبدأ ببناء الفرد بما يناسب قدراته الفكريّة والخلاقة. علينا أن نبدأ من القاعدة التي تتطلب في المقام الأول إعداد الإنسان مند طفولته الأولى، وتحديد طرق التعامل معه في مراحل تكوينه، من الثانوي إلى الجامعي، بما يناسب قدراته الفكرية والخلاقة، لا نعامله كما نفعل اليوم، كوعاء يُفرِغ فيه المعلم أو الأستاذ معلومات محددة في بداية الموسم الدراسي ؛ ليقوم الطالب في نهاية العام بتفريغها دون أن يُعمِل فكره. المطلوب هو وضع مناهج تكوينية في المرحلتين الثانوية والجامعية تتعلق بفكر ريادة الأعمال، والابتكار والاقتصاد المعرفي، وتشجيع الطلبة عليه أثناء دراستهم؛ وذلك بتحفيزهم على طرح أفكار خلاقة، ثم بلورتها إلى مشروعات فعلية. تكوين ريادة الأعمال هو عملية تعلم مدى الحياة بدءًا من المدرسة الابتدائية وتدريجيًا حتى جميع مستويات التكوين.

التعرف على مفاهيم التفكير الإبداعي واعتماد المناهج المناسبة هي ما يوفر شروط بناء إنسان جديد، يملك روح المبادرة ومتشبع بوعي عميق بان رأس ماله الأساسي هي قدراته ومهاراته التي من خلالها يستطيع اكتشاف الفرصة الصالحة ليجعل منها مشروعاً مربحاً ويحاول تدبير الموارد اللازمة لها وتحويلها إلى واقع عملي حقيقي.

فمن الأهمية بمكان،أن ننطلق في معالجة تكوين ريادة الأعمال، من نقطة البداية وهي أن عملية بناء هذا الإنسان الجديد، لا تتحقق إلا على أساس تفكير إبداعي، وتطوير مناهج مناسبة، وخلق بيئة مناسبة للشباب للتكوين واكتساب مهارات الإبداع والمبادرة والمرونة والتفكير الإيجابي والقيادة الخلاقة، إلى جانب مهارات التواصل والاتصال والعمل الجماعي، وتعلم كيفية التعلم ورؤية التغيير، باعتباره فرصة مهمة جدًا لبدء وإدارة أعمال ناجحة تساعد على تعزيز التنمية الشخصية لرائد الأعمال، وتعطي ديناميكية قوية لاقتصاديات بلدان المنطقة، وتساعدها على التحول من اقتصاد الاستهلاك إلى اقتصاد الخلق والإبداع والابتكار، وتطوير ثقافة العمل الحر الذي يساعد على الحد من البطالة والمشاكل الاجتماعية.